الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية ليس من قلب الذيب... "عبد الله الغول المرزوقي" البطل الذي تم إعدامه سنة 1950... مقاوم خذله السياسيون وتناساه التاريخ الرسمي

نشر في  05 ماي 2020  (15:11)

بقلم المؤرخ والجامعي: الأستاذ عميره عليّه الصغيّر

 

عبد الله الغول الذي ولد سنة 1910 هو ابن المقاوم عمر الغول المرزوقي (أُعدم سنة 1924)، من فريق أولاد عبد الله من مرازيق العوينة (قرب دوز) أحد أبطال الجهاد الليبي– التونسي ضد الاستعمار انخرط في "الجهاد" سنة 1915 بعد نداء خليفة المسلمين بالآستانة في صفوف مجاهدي طرابلس بقيادة خليفة بن عسكر، وشارك في معارك عدّة ضدّ الإيطاليين في الغرب الليبي وضمن ثورة الودارنة حيث اشتهر عمر الغول وغطت شهرته على غيره من مجاهدي المرازيق نتيجة مهارته في إصابة الهدف وسرعة حركته في الرمي وفي التنقل، ومن أشهر الوقائع التي ظهر فيها اسمه واقعتا الهيرة الأولى والثانية سنة 1918 وقبلهما واقعة زار سنة 1916. رفض الإغراءات بالاستسلام والعفو عليه من السّلط العسكرية الفرنسية حتى قتل غدرا وجزّ رأسه سنة 1924 إثر خيانة في أحد مرابع التوارق في الجنوب على الحدود الجزائرية وأرسل لموطنه دوز ليراه الناس ويرتدعوا والغول الأب هذا هو الثائر الوحيد تقريبا الذي سار أبناؤه على هديه في مقاومة الاستعمار.
عبد الله الغول له إذن ثأر مع فرنسا، ثأر عائلي وثأر وطني لذاك سنجده ضمن من رفعوا السلاح في وجه فرنسا لاحقا وخاصة في "ثورة المرازيق" (1943-1944).
لقد كان وضع الحرب العالمية الثانية وضعف فرنسا وتحوّل محميتها تونس إلى شبه محمية ألمانية وإيطالية، خاصة منذ نزول قوات المحور بها في نوفمبر 1942، فرصة أخرى جرّأت التونسيين عامة على تحدّي فرنسا والتمرّد على سلطتها بتونس وكان الأمر في الجنوب أكثر خطورة إذ اتخذت المقاومة الوطنية شكل مجابهة عسكرية بين "الثوار" والقوات الفرنسية من أواخر 1942 إلى صائفة 1944، كانت أهمّ فصولها انتفاضة المرازيق هذه التي كان عبد الله الغول أحد أبطالها ضمن أبطال آخرين وأهم أحداثها كانت معركة دوز (28 ماي 1944) حيث هاجم الثوار البرج (الثكنة) وكان من ضمنهم عبد الله الغول بقيادة علي الصّيد وتمكنوا من الانتصار على الحامية الفرنسية وقتل قائدها وأسر البقية وحرّروا عائلاتهم المأسورة فيه وفرّوا على شاحنات خارج المنطقة، لكن القوات الفرنسية استرجعت البرج في اليوم الموالي إثر انسحاب الثوار وجندت قوات كبيرة (1500 جندي) معزّزة بالطائرات والدّبابات طفقت تطارد المقاومين خلال ربيع وصيف 1944 من جبال مطماطة شرقا إلى الحدود الجزائرية غربا لتتمكن من تصفية جلّهم في عمليات المطاردة هذه أي سبعة وثلاثين على ثلاثة وأربعين ثائرا تقريبا.

وقد تمكن عبد الله الغول من أن ينجو مع رفاقه من ملاحقة الجيش الفرنسي والقومية والمخازنية والتجأ أوّلا إلى جبال مطماطة قبل أن يلجأ إلى طرابلس صحبة اخيه محمد وثلة من المجاهدين الآخرين، حيث كانت السلط الفرنسية تتبعهم كمجرمين متعاونين مع العدو(قوات المحور) فتم اعتقال عبد الله وأخيه ورفقتهما المكّي بن محمد بن بوبكر، من البوليس الانجليزي بليبيا سنة 1945 ليسلّمهم مكتوفي الأيدي للسلط العسكريّة الفرنسية. ولمّا تمّ ذلك سلّمتهم السلط الانجليزيّة إلى القوميّة التونسيّين وقيّد الأسرى، ورُمي بهم في السيارة التي انطلقت في اتجاه بلدة دوز ليعرضوا هناك على الأهالي لتذكيرهم أنّ فرنسا هي الأقوى... وأقبل الليل وقد بلغت السيارة المكان المعروف بـ"كاف العنبة" (بين تطاوين وبني خداش) وكان عبد الله قد تمكن من الخلاص من قيوده بأعجوبة فرمى بنفسه في "الكاف"، إنجاء له من القتل وإعدادا لمواصلة جهاد اصطبغت به روحه (...) فأصيب الناقلان للمجاهدين بذهول، ثمّ قرّرا إعدام أسيريْهما المتبقيين، وهما احمد الغول والمكي بن محمد بن بوبكر، على عين المكان".

ويبدأ فصل آخر من حياة عبد الله الغول لجأ لفترة عند معارفه من الحوايا في بني خداش لينتقل بعدها الى الوطن القبلي ويشتغل في منجم أم الذويل تحت هوية مزيفة، لكن سيقع كشفه في 1947، بعد وشاية، ويلقى عليه القبض في 22 أوت ويجلب للسجن المدني ليقدّم للمحكمة العسكرية.

وقد حكمت عليه المحكمة في جويلية 1949 بالإعدام بتهمة التمرد ورفع السلاح ولم يتقدم للدفاع عليه محامو الأحزاب الوطنية بل دافع عليه المحامي ماكس شمامة وقدم بمطلب عفو عليه للرئيس الفرنسي فنسون أوريول الذي رفضه وبقي عبد الله الغول بالسجن المدني بالجناح "F" صامدا " متدرّعا بإيمانه الراسخ بالجهاد المتواصل الذي فطر عليه والمدعّم بما ترسله إليه بين الفينة والأخرى والدته من بسيسة منقعة بدموعها" كما شهد رفيق زنزانته بوبكر عزيز ليُخرج من سجنه وينفذ فيه حكم الإعدام بساحة السيجومي في 20 نوفمبر 1950، شامخا، رافضا وضع العصابة على عينيه. ومن ظلم التاريخ أنّ عبد الله الغول الذي ظلم حيّا، ظلم كذلك وهو ميّت، حيث لم يدرج اسمه في "السجل القومي لشهداء الوطن" الذي أصدره الحزب الاشتراكي الدستوري سنة 1978.

هذا كما نشر الأستاذ عميرة علية الصغير هذه الفقرات المتعلقة بدراسة طويلة كان قد نشرها حول البطل عبد الله الغول كما يلي:

"في مقال كتبه الضباط الفرنسي جون سيران لصحيفة "لا دباش تونزيان" بتاريخ 15 جويلية 1948 بعنوان" هنالك فلاق سيحاكم و هاهو نص الاتهام" ، وعبد الله الغول كان موقوفا يترقب محاكمته، نستشف منه صورة هذا الرجل عند اعدائه، فهم بقدر اكبارهم للرجل و الاقرار بخطورته هم يحقدون عليه ، اذ كان النقيب جون سيران- Jean Seran- هذا يقود مفرزة من فرسان المهاري تتعقب المتمرّدين في الاربعينات اثناء انتفاضة المرازيق و له اطلاع عن كثب عن عاداتهم واوضاع نفزاوة عامة.يقول جون سيران عن الغول:"(...) يوجد حاليا رهن المحاكمة فلاّق ذو قامة كبيرة .

وبالفعل أنّ عدد جرائمه و نوعيتها تجعله ، وزيادة، على رأس قائمة كل الفلاقة ماضيا و حاضرا، انه عبد الله بن عمر الغول من دوز الجنوبية ،و قد ورث كنية الغول عن والده المتمرّد سنة 1915 و الذي افشل لمدة تسع سنين السلط الأمنية في القبض عليه.كان ممتهنا التهريب (كناتري) و له من القدوة حتى لا يتوقف عند ذاك و يمارس بطولاته" ، ثم يعدّد سيران مختلف الوقائع و المعارك التي خاضها الغول مشددا على قساوته مع اعدائه و تعدد من قتلهم في المعارك من الفرنسيين و من التونسيين المتعاونين معهم و حتى من بين الأسرى، كذلك ينوه هذا النقيب ببراعة الغول في الافلات من التتبع و الايقاف.و يذكر كيف انه صنّف منذ سنة 1944 "عدوّا للوطن" و انّ المحكمة العسكريّة سوف تحاكمه بتهم "قطع الطرق" و "الخيانة" و "التمرّد المسلّح" ليختم لائحة الادانة بوصف عبد الله الغول بانّه" لصّ تافه و مجرم من أسوء الرّهوط" :
( …le Ghoul est une crapule forcenée de la pire espèce »)

عبد الله الغول لم يقسُ عليه اعداؤه فحسب ، فذاك من طبيعة الأمور، بل كانت القساوة من الشق الوطني اذ التزم قادة الحركة الوطنية الصمت تجاه قضية بطل مقاوم يُحاكم من اجل رفعه السلاح ضد من يحتل وطنه و لم يتطوّع اي محام منه للدفاع عنه و الحال انّ قادة الحزبين الدستوريين كان اغلبهم من المحامين، و كذا كان الاهمال من الاتحاد العام التونسي للشغل اذ كانت هذه النقابة في عزّ قوتها سنوات 1948- 1950 .الأمر يفهم عندما نتذكر أنّ مكونات الحركة الوطنية و حتى جناحها المتجذر، اي الحزب الحر الدستوري الجديد و زعمائه، كانوا زمن ذاك يدفعون عنهم شبهة رفع السلاح في وجه المستعمر و لا يقبلون التورط في الدفاع عن "متهورين" التجؤوا للسلاح للدفاع عن كرامتهم و عن وطنهم .

و هذا الموقف تجاه عبد الله الغول كان مماثلا لموقف آخر في ذات التاريخ، تجاه فلاقة زرمدين الذين خذلهم الحزب و هنالك شهادات تتحدث حتى على تفاهم بين الامين العام للحزب الحر الدستوري آنذاك صالح بن يوسف و سلط الحماية للتخلص من هؤلاء المارقين على القانون و الذين كانوا "فلاقة" يمتهنون الاختطاف و الابتزاز و تطوروا في وعيهم الوطني و تحولوا الى كابوس يجابه الجندرمة الفرنسية، حيث تم استدراجهم و قتلهم في كمين للجيش الفرنسي بقرية لقطار سنة 1948.

و سوف يتطوّع في قضية الغول، و من خارج الشق السياسي الوطني، المحامي اليهودي التونسي ماكس شمّامة للدفاع عنه و قد اسرّ هذا المحامي لبوبكر عزيّز في 26 جويلية 1948 انّه" أعلم اهل الحل والعقد بتونس بمأساة عبد الله الغول، و لم يحرّك أحد منهم ساكنا بينما كان في امكانهم ان يتدخلوا ايجابا في شأنه لأنّ الحكومة الفرنسية اذاك كانت تغازل الدستور، و اضاف الاستاذ شمامة :" لقد تحملت التنقل الى باريس لتدعيم طلب العفو على عبد الله الغول الذي قدمته باسمه الى رئيس الجمهورية الفرنسية فنسون اوريول و رفض هذا المسؤول الاشتراكي العفو على المجاهد التونسي و هو يعلم جيدا ما فعلته المقاومة الفرنسية ضد الألمان" .

رُفض اذن طلب العفو على عبد الله الغول و بقي بالسجن المدني بالجناح "F" صامدا " متدرّعا بايمانه الراسخ بالجهاد المتواصل الذي فطر عليه و المدعّم بما ترسله اليه بين الفينة و الأخرى والدته من بسيسة منقعة بدموعها" كما شهد رفيق زنزانته بوبكر عزيز .ليُخرج من سجنه و ينفذ فيه حكم الاعدام بساحة السيجومي في 20 نوفمبر 1950 ، شامخا، رافضا وضع العصابة على عينيه".